من وحى هذا العصر
شاعرة أديبة من أهل غرناطة، مشهورة بالحسب والأدب والجمال والمال. جيدة البديهة رقيقة الشعر أستاذة. وليت تعليم النساء في مدرسة: المنصور أمير المؤمنين عبد المؤمن بن عليٍ، وسألها يوماً أن تنشده فقالت ارتجالاً
يا سيد الناس يا من **** يؤمل الناس رفده
أمنن على بطرس **** يكون للدهر عده
تخط يمناك فيه **** الحمد لله وحده
*******************
الرفد بكسر الراء = العطاء.....
طرس بكسر الطاء = الصحيفة..او امر من الوالى
عده = اي يكون معين على ايام الدهر
********************
أشارت بذلك إلى العلامة السلطانية، فإن السلطان كان يكتب بيده في رأس المنشور بخطٍ غليظٍ (الحمد لله وحده) فمن عليها وكتب لها بيده ما طلبت، وتولع بها أمير المؤمنين عبد المؤمن المذكور، وتغير بسببها على أبي جعفرٍ أحمد بن عبد الملك بن سعيدٍ العنسي، وكان عاشقاً لها اى( ابى جعفر) متصلاً بها يتبادلان رسائل الغرام، ويتجاوبان بالحمام، وقد أدى ولع عبد المؤمن بها إلى قتل أبي جعفرٍ. ومما كتبته حفصة إلى أبي جعفرٍ:
تبين قدر ابو جعفر بين قومه وحاسديه له على ما هو عليه من شرف
رأست فما زال العداة بظلمـهـم **** وحقدهم النامى يقولون لم رأس
ومل منكر أن ساد أهل زمـانـه **** جموح إلى العليا نقي من الدنس
ومل = اى كره وتململ
********************
وبات معها أبو جعفرٍ في بستانٍ بحوزٍ مؤملٍ (مكان)، فلما حان وقت الفراق قال:
يبين كيف ان الليل لم يرى من فعلهم اية مذمة بل ان كل ما فى هذه الحوزة اى المكان الذى هم به قد اظلهم بكل ما به سعيد من الازهار قرنفل وريحان وكذلك طائر القمرى المغرد الواقف على فروع الشجار التى انتشت نشوى من فوق جدول الماء
رعى الله ليلاً لـم يرع بـمـذمـمٍ **** عشية وارانـا بـحـوز مـؤمـل
وقد خفقت من نحـو نـجـدٍ أريجة **** إذا نفحت جاءت بريا القـرنـفـل
وغرد قمري على الدوح وانثـنـى ***** قضيب من الريحان من فوق جدول
يرى الروض مسروراً بما قد بدا له **** عناقٍ وضمٍ وارتشـاف مـقـبـل
الا انها انكرت كل هذا الوصف ورأت ان ما كان ماهو الا غل وحسد لكل من راى وشاهد ما هم عليه من النشوة وبات يامل ان يكون على ما هم عليه حتى النجوم لم تظهر الا لترصد ما هم به وذلك من اختلاف رؤى المحبين وخاصة احساس الرجل واحساس المرأة
لعمرك ما سر الرياض بوصلنا **** ولكنه أبدى لنا الغل والحـسـد
ولا صفق النهر ارتياحاً لقربنـا **** ولا غرد القمري إلا لما وجـد
فلا تحسن الظن الذي أنت أهله **** فما هو في كل المواطن بالرشد
فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه **** لأمرٍ سوى كيما يكون لنا رصد
****************************
وقالت مرة تشكو وجدا
سلوا البرق الخفاق والليل ساكن **** أظل بأحبابي يذكرنـي وهـنـا
لعمري لقد أهدى لقلبي خفوقـه **** وأمطر كالمنهل من مزنه الجفنا
*****************************
وقالت
أزورك أم تزور فإن قلـبـي **** إلى ما تشتهـي أبـداً يمـيل
فثغري مـورد عـذب زلال **** وفرع ذؤابتي ظـل ظـلـيل
وهل تخشى بأن تظما وتضحى **** إذا وافى إليك بي المـقـيل
فعجل بالجواب فما جـمـيل **** إباؤك عن بثـينة يا جـمـيل
**************************
وكان أبو حعفر بن سعيدٍ يوماً في منزله، وقد خلا ببعض أصحابه وجلسائه، فضرب الباب فخرجت جاريته تنظر من بالباب؟ فوجدت امرأةً فقالت لها: ما تريدين؟ فقالت: ادفعي لسيدك هذه البطاقة، فإذا فيها:
زائر قد أتى بجـيد غـزالٍ **** طامع من محبه بالوصـال
بلحاظٍ من سحربابل صيغت **** ورضابٍ يفوق بنت الوالى
يفضح الورد ما حوى منه خد **** وكذا الثغر فاضح لـلآلـئ
أتراكم بإذنكم مـسـعـفـيه **** أم لكم شاغل من الأشغـال
فلما قرأ الرقعة قال: ورب الكعبة ما صاحب هذه الرقعة إلا حفصة، فبادر إلى الباب فلم يجدها فكتب إليها:
أي شغلٍ عن المحـب يعـوق **** يا صاحباً قد آن منه الشروق
صل وواصل فأنت أشهى إلينا **** من لذيذ المنى فكم ذا نشوق
لا وحبيك لا يطيب صـبـوح **** غبت عنه ولا يطيب غبـوق
لا وذل الجفا وعز التـلاقـي **** واجتماعٍ إليه عز الـطـريق
*****************************
كما قالت
أغار عليك من عيني وقلبي **** ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني جعلتك في عيوني **** إلى يوم القيامة ما كفاني
************************
ماتت حفصة بمراكش سنة ستٍ وثمانين وخمسمائةٍ.